أساس المشكلة
منذ فترة قصيرة، نشرت جريدة دانمركية ذائعة الصيت، وذات مصداقية كبيرة لدى الشعب الدانمركي، مسابقة لرسم أحسن كاريكاتير، للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وبالفعل أرسل القراء أكثر من مائة صورة...
وتم نشر حوالي 12 كاريكاتير، تصور رسول الله، وهو يلبس عمامة مليئة بالقنابل والصواريخ، وتصوره وهو يصلى في أوضاع مهينه للغاية، ولقد تم نشر هذه الصور علنا ,وعلى مدار عدة أسابيع، وبمعرفة وموافقة، بل وتأييد من الحكومة، وتفاعل الرأي العام الدانمركي معها، ولقد حاولت الجالية الإسلامية هناك، الدفاع
عن الإسلام ومقدساته، وذلك بوقف نشر هذه الصور، كما رفض رئيس التحرير مجرد مقابلتهم، وتضامنت كل الهيئات الحكومية مع الجريدة، ورفضت كل محاولات الجالية الإسلامية...
فقاموا بعمل بعثة إسلامية للقيام بجولة في العالم العربي للتضامن معهم عن طريق فرض حصار اقتصادي، بمقاطعة كل المنتجات الدانمركية ومنع استيرادها ، وكل ما نرجوه من كل من يقرأ هذه الرسالة، أن يقاطع كل المنتجات الدانمركية ..
ولا تنسوا أنكم سوف تلقون رسول الله يوم القيامة على نهر الكوثر فمذا ستقولون له وقد علمتم ما علمتم ؟ أرجوكم يا شباب لا تجعلوا الأمر يمر عليكم مرور الكرام، وتخيلوا لو أن أحدهم سب أمك أو أختك فماذا سيكون رد فعلك؟ وهل أهلك وذويك، أحب إليك من رسول الله..................
بيان الأزهر حول الإساءة للرسول بالدانمرك
عقد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف جلسة طارئة لمناقشة ما تعرض له الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام من حملة سباب وإهانة وازدراء من جانب بعض الصحف في الدانمارك.
وفيما يلي نص البيان الذي أصدره مجمع البحوث الإسلامية:
صدمت مشاعر المسلمين في مصر وعلى امتداد العالم الإسلامي من استمرار الحملة الهابطة التي تعرض لها الإسلام ونبيه عليه وعلى جميع الرسل والأنبياء صلاة الله وسلامه، وهي حملة تجاوزت تماما كل حدود النقد المباح وأدب الحوار الجائز عند الاختلاف لتنقلب سبابا خالصا وازدراء مقصودا لدين يتبعه ويتدين به أكثر من ألف مليون من البشر ومنهم جالية من أبناء الدانمارك وحاملي جنسيتها، هالهم بدورهم ما جرى فسعوا لاحتواء آثار هذه الأزمة في مهدها واتصلوا لهذا الغرض بالسلطات المختصة في الدانمارك، ورفعوا دعاوى أمام القضاء الدانماركي لا تزال منظورة أمامه ولكن سعيهم لم يؤت ثمرته وبقيت حملة السباب والإهانة مستمرة لا توقفها جهود العقلاء المخلصين ولا يردع القائمين بها رادع من دين أو قانون أو حرص على مشاعر مئات الملايين من مواطني دول عربية وإسلامية تقوم بينها وبين شعب الدانمارك وحكومته وكافة شعوب وحكومات دول الاتحاد الأوربي علاقات مودة وتواصل مصالح اقتصادية تحتاج إلى من يحرسها ويزكيها لا من يهدمها ويرديها.
والمجمع لا ينطلق في إدانته لهذه الحملة واستنفاره علماء المسلمين لمواجهتها من منطلق ديني إسلامي فحسب، وإنما ينطلق فوق ذلك ومعه من إدراك لجسامة وخطورة الآثار السلبية التي لا بد أن تترتب على هذه الممارسة غير المسئولة لأمانة الكلمة التي هي أول طريق الخير والإصلاح حين تكون كلمة طيبة كما تكون أول طريق الشر والإفساد حين تكون كلمة خبيثة.
والمجمع وهو يدين هذه الحملة ويدعو جميع المؤمنين والحكماء إلى مواجهتها لا تغيب عنه أبدا قيمة (حرية التعبير) وضرورة حمايتها بنصوص الدساتير ولقوانين وحراسة القضاء والرأي العام في الدول المختلفة.. ولكن المجمع لا يغيب عنه كذلك ما اٍستقر لدى علماء القانون الدولي والقوانين الداخلية من أن حرية التعبير شأنها شأن سائر الحريات المقررة في الدساتير والقوانين إنما تمارس في مجتمع منظم.. وأن هذا التنظيم يقتضي التوفيق بين ممارستها وبين حريات وحقوق أخرى في مقدمتها الحق في صيانة الكرامة الشخصية وحرمة الأعراض والمقدسات الفردية والجماعية.. كما لا تغيب عن المجمع في عصر العولمة وسقوط الحواجز بين الشعوب والثقافات، أهمية إشاعة روح السلام والاحترام المتبادل والحرص على التواصل والتعارف بين أصحاب الثقافات المختلفة حتى لا يتحول الأمر إلى (صدام الحضارات والثقافات) الذي حذر منه حكماء العالم ورواد الفكر الإنساني في كل مكان.
لهذا كله يجد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف من واجبه نحو دينه وعقيدته، ونحو الشعوب الإسلامية كلها، ونحو الإنسانية التي تحتاج اليوم أشد الحاجة إلى نشر ثقافة السلام، وشعارات المحبة ودعوات التعاون على مواجهة أخطار مشتركة جديد تتعرض لها شعوب الأرض على اختلاف عقائدها وثقافاتها ونظمها السياسية.
وأداء لهذا الواجب على امتداد ساحاته المتعددة يتوقع المجمع أن تعيد حكومة الدانمارك مراجعة موقفها قبل أن تتصاعد تداعيات هذه الحملة المؤسفة تصاعدا يمس مصالح الدانمارك وشعبها كما يمس روح المودة والرغبة في التعاون بين شعب الدانمارك وبين الشعوب العربية والإسلامية وهي الروح التي كانت إلى عهد قريب تتنامى وتنتفع بثمارها شعوب الجانبين.
كما يهيب المجمع بعلماء المسلمين وحكوماتهم في كل مكان أن يشاركوا هذا النداء الذي نتوجه به إلى شعب الدانمارك وحكومته، والذي ينوي الأزهر الشريف أن يتوجه به إلى اللجان المختصة بالأمم المتحدة وإلى منظمات حقوق الإنسان في كل مكان دفاعا عن حقوق الأفراد والشعوب وحماية للتعددية الثقافية وما تتطلبه من احترام ثقافة الآخرين والامتناع عن الترويج لثقافة الكراهية والازدراء بأولئك الآخرين.
ولسنا نشك لحظة واحدة في أن العقلاء والحكماء في الدانمارك وفى كل مكان سوف يقاومون معنا هذا التجاوز المعيب الذي يخرج الكلمة وغيرها من وسائل التعبير عن حدود حرية التعبير ليدخل بها ساحة القذف والسب وازدراء الأنبياء والعقائد والأديان والثقافات، وكلها جرائم يعاقب عليها -بصور مختلفة- القانون الدولي، وقوانين سائر الدول المتحضرة الحريصة على احترام الإنسان والأديان ونشر ثقافة السلام والدعوة إلى التواصل بين جميع الشعوب.
شيخ الأزهر الشريف
رئيس مجمع البحوث الإسلامية
أ. د/ محمد ســـيد طنطاوي